♪♫◙ الوردة الحمراء ◙♫♪
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فلفسة الحب عند ابن حزم

اذهب الى الأسفل

فلفسة الحب عند ابن حزم Empty فلفسة الحب عند ابن حزم

مُساهمة  الطائر الجريح الأحد مارس 09, 2008 8:44 am

طوق الحمامة أروع كتاب درس الحب في العصر الوسيط في الشرق والغرب في العالمين الإسلامي والمسيحي , تتبع أطواره , وحلل عناصره وجمع بين الفكرة المفلسفة والواقع التاريخي وواجه أدق قضاياه في وضوح وصراحه .
وابن حزم صاحب الكتاب رجل مجدد غير تقليدي , فهو قلما يأتي بأخبار وروايات حملتها إليه الكتب القديمة .. " دعني من أخبار الأعراب والمتقدمين فسبيلهم غير سبيلنا وقد كثرت الأخبار عنهم " وإنما هو يقدم في كتابه صورة واقعية لحياة الطبقة المثقفة والراقية في المجتمع القرطبي في القرن الرابع الهجري من خلال شخصيات ذكرها بأسمائها وألقابها من الخلفاء والوزراء والقادة والفقهاء والأدباء وغيرهم ممن كانت الروح المثالية هي منهجهم في حياتهم العاطفية .
قسّم ابن حزم كتابه هذا إلى ثلاثين باباً منها في أصول الحب عشرة .. ومنها في أعراض الحب , وصفاته المحمودة والمذمومة اثنا عشر باباً .. ومنها في الآفات الداخلة في الحب ستة أبواب ثم باب في قبح المعصية وباب في فضل التعفف .
والحب عنده " أوله هزل وآخره جد دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة إذ القلوب بيد الله عز وجل"
وللحب عند ابن حزم أشكال وضروب وأفضلها عنده المحبة في الله .. إما لاجتهاد في العمل .. وإما لاتفاق في المذاهب .. وإما لفضل علم يمنحه الإنسان .. ومحبة الطمع في جاه المحبوب .. ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره .. ومحبة بلوغ اللذة .. ومحبة العشق الذي لاعلة لها إلا اتصال النفوس .. وهو يؤكد على كل هذه الأشكال من الحب تنتهي بانتهاء الغرض منها إلا محبة العشق الصحيح فهي لاتنتهي إلا بالفناء والموت .
والمتحابان عند ابن حزم لابد أن يكون بينهما تشابه واتفاق في الصفات الطبيعية ويؤكد قوله بحديث رسول الله " الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها ائتلف وما تناكر منها احتلف "
وابن حزم لايرى بعد التوافق شروطاً أخرى لتبادل الحب مثل الجمال أو التشابه في المزاج يقول رحمه الله " لو كان علة الحب حسن الصورة الجسدية لوجب ألا يستحسن الأنقص من الصورة ونحن نجد كثيراً ممن يؤثر الأدنى .. ولو كان للموافقة في الأخلاق لما أحب المرء من لايساعده ولايوافقه فعلمنا أنه شيء في ذات النفس " .
يبدأ ابن حزم كتابه بأفكار فلسفية مختلفة عن علامات الحب تعد رائدة في هذا المجال خاصة إذا نظرنا إليها بعيون عشرة قرون مضت حققت فيها الدراسات النفسية والفلسفية إنجازات كبيرة وظهرت فيها نظرات ومدارس نفسية أكدت كلها صحة ماجاء به حزم وريادته لها ..
وليس غريب على رجل عالم مثقف كابن حزم أن يتعمق هكذا في أغوار النفس البشرية ويكشف عن هذه الدقائق الصغيرة وقد سبقته إليها الدراسات القرآنية والحديث النبوي فهو نتيجة حتمية بالإضافة إلى قراءاته في الأدب والأفكار العربية القديمة ..
كتب ابن حزم كتابه (طوق الحمامة في الألفة والألاف ) وهو لم يتجاوز الثامنة والعشرين من عمره لكن أفكاره كانت من النضج بحيث إنها لم تختلف ولم تتغير عن أفكاره عندما بلغ السبعين وكتب كتابه الثاني في نفس الموضوع وهو (الأخلاق والسير ومداواة النفوس ) .
تعكس هذه النتيجة حقيقة وهي أن الرجل كان ثابت الرأي غير متقلب المزاج وهي ميزة موضوعية تعطي آراءه وزناً علمياً كبيراً .
ويحفل كتاب ابن حزم بالأمثلة الشعرية التي صاغها المؤلف مؤكداً ومفسراً للنصوص النثرية .. ولكن جاءت سطور النثر في كتابه أكثر شاعرية من أبياته .. ذلك أن تمكنه من ناصية اللغة ومعجمه الثري الرقيق الألفاظ وبلاغته الراقية جعلت عباراته سهلة تكسوها شاعرية تلقائية في حين جاءت أبياته الشعرية أقرب إلى الشعر التعليمي منها إلى الشعر العاطفي .
وعن علامات الحب يتحدث ابن حزم ويبين أن العين هي "المعربة عن بواطن النفس " وهو يرى أن النظر هو أول مداخل القلب .. إلا أنه يتعجب من كل من يدعي أنه يحب من نظرة واحدة ولا يكاد يصدقه " ولا أجعل حبه إلا ضرباً من الشهوة .. وما لصق بأحشائه حب قط إلا مع الزمن الطويل "
ويؤكد هذه المعاني مرة أخرى حينما يقول " من أحب من نظرة واحدة وأسرع العلاقة من لمحة خاطرة فهو دليل على قلة الصبر ومخبر بسرعة السلو وشاهد الظرافة والملل .. وهكذا في جميع الأشياء أسرعها نمواً أسرعها فناءً , وأبطؤها نفاذاً "
ويتحدث ابن حزم دائماً عن معاني الحب وأعراضه وظواهره وشتى آفاته من وجهة نظر المحب لا المحبوب .. وهو يلزم المحب بهذه العاطفة ويعفي المحبوب من كثير من التزاماتها بما في ذلك الوفاء الذي يوجبه على المحبوب لأن المحب مخير بين القبول والرفض .
وتتضح العقلية السيكلوجية لابن حزم عندما يربط العاطفة بالزمان وتعدد التجارب , فهو يرى أن العاطفة البطيئة التي تولدها المعاشرة والتعامل هي أبقى من هذا العشق السريع الذي يراه أقرب إلى الشهوة كما أنه يرفض فكرة التعلق بشخصين في وقت واحد ويراها رغبة حسية أكثر منها حاجة وجدانية راقية .
ورغم تأكيد ابن حزم المتكرر على دور الإرادة الشخصية للفرد في اختبار من يحب واختيار الطريق للوصول إليه , إلا أنه يرى في العشق (قضاءً وقدراً ) " إن للحبّ حكماً على النفوس ماضياً وسلطاناً قاضياً وأمراً لايخالف وحدّاً لايعصى وملكاً لايتعدى وطاعة لاتصرف ونفاذاً لايرد "
كما يرى أن (الحب أعمى ) فهو يعمي ويصم ويغير طبيعة الفرد , فإذا بالعاقل أهوج يستحسن القبيح ويصبح الهوى مذهبه وطريقه .
أخيراً يبقى هذا الكتاب طوق الحمامة وصاحبه علامة بارزة في الفكر الإنساني بدليل أنه ترجم إلى معظم اللغات العالمية وأثّر في كثير من الكتّاب والمفكرين الذين أتوا بعده .

الطائر الجريح

عدد الرسائل : 87
تاريخ التسجيل : 24/02/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى